سمير المسلمانى
بدأ طرح فكرة بناء “مدن تابعة فى الصحراء” منذ خمسينات القرن الماضى للقاهرة عام 1956 والتى لم يتم اعتمادها، ثم فى الخطة الرئيسية 1970 والتى تم اعتمادها)، ولكن الدفعة القوية تجاه الصحراء حدثت بعد حرب 1973 وبدء سياسات “الانفتاح” وقد تحدثت “ورقة أكتوبر” التى طرحها السادات عام 1974، عن تنمية “الفراغات الاستراتيجية” فى مصر بهدف رسم خريطة جديدة لمصر (سيمز، 2014).
وأكدت ورقة 1974 على الهدف الاجتماعى من الامتداد إلى الصحراء، وبرغم ذلك فإن “هيئة المجتمعات” تجاهلت هذا الدور الاجتماعى بشكل منهجى وفضلت بدلًا منه أن تلعب دور المستثمر العقارى.
بدأ التخطيط للمدن الجديدة بعد ذلك بوقت قصير، وبحلول 1977 كانت عملية إنشاء مدينة العاشر من رمضان – وهى أول مدينة توصف بأنها من المجتمعات العمرانية الجديدة فى مصر – قد دخلت حيز التنفيذ. وكان من المقرر أن تتمتع تلك المدينة بقاعدة اقتصادية مستقلة تعتمد على المنشئات الصناعية والإسكان الذى تقيمه الحكومة وأيضا الأراضى المدعومة.
كان الهدف المبدئى هو أن يسكن تلك المدينة 500.000 نسمة – معظمهم من العمال – الذين سوف تجتذبهم فرص العمل بالصناعات (سيمز، 2014).
بعدها أصبح إنشاء تلك المدن الجديدة جزءًا لا يتجزأ من السياسة القومية، وتم إنشاء “هيئة المجتمعات” فى 1979 بمقتضى قانون 59/1979 لتصبح السلطة الحكومية الرسمية التى تتولى تنمية تلك المدن. ما بين 1977 و1982 تم تخطيط سبع مدن جديدة، تم اعتبارها “الجيل الأول” من المدن الجديدة، وتكونت بشكل أساسي من مدن منفصلة لها قواعدها الاقتصادية المستقلة.2 الاستثناء الوحيد لتلك القاعدة كان هو مدينة 15 مايو.
على عكس المدن الجديدة الأخرى، فإن مدينة 15 مايو لم تنشأ لها قاعدة اقتصادية مستقلة، ولكنها كانت مصممة كمدينة تابعة تقع مباشرة خلف نهاية الحدود العمرانية الطبيعية لامتداد مدينة القاهرة.
وقد بنت الحكومة قدرًا كبيرًا من عمارات الإسكان الاجتماعى من أجل مساعدة المدينة الجديدة على استيعاب النمو السكانى فى القاهرة.
وفى 1982، قامت منظمة فرنسية هى “معهد إدارة العمران فى إقليم إيل دو فرانس” (المعهد الفرنسى اختصارًا) بتقديم دراسة بناء على طلب “الهيئة العامة للتخطيط العمرانى” (هيئة التخطيط اختصارًا) لدعم تطوير مخطط عام جديد للقاهرة، كما قدمت “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” (الوكالة الأمريكية اختصارًا) دراسة عن “السياسة الحضرية القومية” فى نفس العام. اقترحت دراسة “الوكالة الأمريكية” أن يتم تحويل الموارد تجاه تحسين أوضاع التجمعات العمرانية القائمة – بالذات فى إقليم الصعيد وإقليم قناة السويس – وهى توصية سددت ضربة غير مباشرة للسياسة الرسمية للمدن الجديدة (سيمز، 2014).
أما دراسة “المعهد الفرنسى” فقد انتقدت السياسة الرسمية بشكل مباشر واقترحت، بدلًا من إنشاء مدن جديدة مستقلة، أن يتم توجيه الموارد القومية إلى إقامة مدن تابعة حول المدن القائمة بالفعل لكى تستوعب النمو السكان المتزايد، مع استمرار السكان فى الاستفادة من المزايا الاقتصادية للمدن القائمة.
مع أن دراسة “الوكالة الأمريكية” لم تحظ برضاء الحكومة المصرية (سيمز، 2014)، فإن دراسة “المعهد الفرنسى” والمقترحات التى وردت بها حازت على موافقة رسمية فى 1983 من الرئيس المصرى وقتها، “حسنى مبارك”.
3 وهكذا بدأت الدولة، على غرار مدينة 15 مايو، فى طرح سلسلة شملت تسع مدن هى “مدن الجيل الثانى” فى 1986، والتى كانت كلها تقريبا مدنًا تابعة و”مدنًا توأمية” صممت لتكون مدنًا شقيقة أو توأمية لمدن الأقاليم.4 وفى 2000، تم البدء فى سبع مدن من “الجيل الثالث” التي كانت جميعها مدنًا إقليمية توأمية.5 وحاليًا توجد 23 من مجتمعات عمرانية جديدة فى مختلف أنحاء مصر ،وهناك خمس مجتمعات تحت التنفيذ، وهو ما يصل بالمجموع إلى 28.
فى 2008، قامت “وكالة اليابان للتعاون الدولى” (الوكالة اليابانية اختصارًا) بنشر “دراسة المخططات الاستراتيجية للتنمية العمرانية من أجل تنمية مستدامة لإقليم القاهرة الكبرى“. تلك الدراسة رسمت الخطوط العامة لثلاثة سيناريوهات ممكنة للنمو المستقبلى لإقليم القاهرة الكبرى وأعلنت أن السيناريو الثالث هو “أفضل نموذج للنمو المستقبلى”.
السيناريو المذكور يقوم على كبح جماح النمو السكاني والتوسع الحضري المستقبلي وتوجيه السكان تجاه المناطق العمرانية الجديدة على أطراف القاهرة. وهكذا فإن تلك الدراسة أعطت دفعة للسياسات القائمة بالفعل بشأن التنمية المخططة للمدن الجديدة في مصر. وهناك حاليًا ثماني مدن تقع داخل حيز إقليم القاهرة الكبرى، وهى مدن 6 أكتوبر و10 رمضان و15 مايو والعبور والشيخ زايد والشروق والقاهرة الجديدة. وأضيفت للقائمة مؤخرًا “العاصمة الإدارية الجديدة لمصر”، التي تعد بدورها إحدى المجتمعات العمرانية الجديدة تحت الإنشاء.
أن الهدف منها هو خلق مراكز “حضارية” جديدة، وإعادة توزيع السكان بعيدًا عن الشريط الضيق لوادى النيل، وإقامة مناطق جذب مستحدثة خارج نطاق المدن والقرى القائمة، ومد محاور العمران الى الصحراء و المناطق النائية، والحد من الزحف العمراني على الاراضي الزراعية. وهو ما يعنى أن مبرر وجود وبقاء “هيئة المجتمعات” هو جذب السكان إلى تلك المدن الجديدة.
الهدف الثانوى للمجتمعات العمرانية الجديدة هو توفير مأوى لمحدودي الدخل، كوسيلة لخلق بديل عن المناطق اللا-رسمية (سيمز، 2014).
حيث تذكر اللوائح العقارية الداخلية في “هيئة المجتمعات” أن أحد جوانب مهمتها هو تقديم الإسكان اللائق والملائم لكل مواطن مصري. وتتضمن مهمة “هيئة المجتمعات” الوفاء باحتياجات السكن للعائلات المحدودة الدخل، والتى تقدر الهيئة عددها بحوالى 1.5 مليون وحدة (هيئة المجتمعات، 2015)، وإن لم تكن طريقة حساب هذا العدد واضحة تمامًا. علاوة على ذلك، فإن لوائح الهيئة تنص على أنه يجب على اللجنة التي تحدد سعر الشراء للأراضي أن تأخذ في اعتبارها الفوارق في مستويات الدخل عند قيامها بمهمتها. ويعلق القانوني شوقي السيد على هذا بالقول بأن القانون الصادر فى 1979 بإنشاء “هيئة المجتمعات” يذكر أن الهيئة مسؤولة عن تنفيذ المسؤوليات الاجتماعية للدولة وبالتالى يجب عليها دائما أن تفكر فى القاعدة العريضة من المحتاجين وأن تقدم اسكانًا متوسطًا واقتصاديًا لهم (السيد، 2015).
ومن المثير للانتباه أن نطاق عمل “هيئة المجتمعات” يتضمن وضع الخطط اللازمة لتطوير العشوائيات من خلال إعادة تخطيطها ومد المرافق لها وتقديم المأوى لسكان العشوائيات الذين يحتاجون إلى اعادة تسكين فى مناطق أخرى. (هيئة المجتمعات، 2015). إلى جانب هذا، فإن آخر قانون للإسكان الاجتماعي (القانون 33 لعام 2014) يذكر أن برنامج الإسكان الاجتماعي القومى يقوم على توفير وحدات سكنية لذوى الدخل المحدود فى “المناطق التى تحددها وزارة الإسكان بالمحافظات والمجتمعات العمرانية الجديدة” وأيضًا على تقديم قطع أراضي عائلية صغيرة لذوي الدخل المتوسط فى المجتمعات العمرانية الجديدة.
وهكذا فإنه من الجهة النظرية، يبدو أن نطاق عمل “هيئة المجتمعات” يتضمن جزئيًا “الوظيفة الاجتماعية للملكية العمرانية”. ولكن هل وضعت الهيئة تلك الوظيفة موضع التنفيذ؟
وللحديث بقيه ..
وهل حققت المدن الجديدة المارب الذى من اجله انشأت … هذا ما نتابعه معا فى الحلقات القادمه انتظرونا فى جريدة العالم الحر